أخر الاخبار

يوميات الحب والحرب22 د. خضر محجز

يوميات الحب والحرب22:


الثقافة فعل نُخبوي، فهي حصيلة ما يهتم به ويُروّج له مجموعة من الناس، تمتهن الكلام في القضايا العامة، بشكل جميل، يركّز على الأسلوب في توصيل الفكرة.


وهؤلاء في المجتمعات الناجزة ـ التي توسعت فيها الطبقة الوسطى ـ يكتبون وينشرون ويشتري الناس بضاعتهم، ويختلفون فيها وحولها.


أما في المجتمعات المنحطة الفقيرة التي انسحقت فيها الطبقة المتوسطة، فلا يجد المثقفون من يشتري بضاعتهم سوى الحاكم.


فيشتريهم ويشتري بضاعتهم. فهو في حاجة إلى شراء صوتهم أو صمتهم. فيتحلون إلى كائنات طفيلية، تعيش على فتات الحاكم، ويتباهى بهم بين الناس، باعتباره راعي الثقافة والفكر.


بهذا المعنى يصبح المثقفون معاول هدم تحفر الأخاديد في طريق كل محاولة للتغير الاجتماعي.


ولقد وُجد دوماً آحادٌ من المثقفين الذين فضَّلوا الانحياز إلى الجمهور، فلم يعترف بهم الحاكم. وليس لدى هذا الجمهور ـ باعتباره مسحوقاً على الصعيد المادي ـ من الوفرة ما يتيح له شراء أفكار المثقفين المنحازين إليه. فعاشوا يُغَرّدون خارج السِّرب.


هذا النوع يسمونه المثقف العضوي، أقصد المثقف الذي هو عضو حقيقي في مجتمعه، فهو مؤتمن على كونه صاحب فكر منحازٍّ إلى المُهَمَّشين وقضايا المجتمع الكبرى، بما يقضي عليه بالبقاء مُغرّداً خارج السِّرْب.


إن المثقف العضوي في المجتمعات المنحطة منعزل عن المثقفين الرسميين، الذين تعتبرهم الدولة "مثقفيها" وتتعامل معهم على أنهم مثقفو المجتمع.


لا تعترف الدولة ومثقفوها بالمثقف العضوي، بل تُنكِر وجودَه من الأصل. فإذا ذُكر اسمه بين مثقفي الحاكم، اتّهموه بأنه غير موضوعي، لا يرى سوى السلبيات.


إن التناقض بين مثقفي الحاكم والمثقف العضوي هو تناقض حاد ومستمر، بقوة ما هو التناقض بين المهمشين والحاكم في المجتمعات المنحطة. ذلك أن مثقفي الحاكم يعتبرون أن مهمتهم هي تسليط الضوء على إنجازات حاكمٍ يحكم مجموعة جائعة، لا لشيء إلا لأنه ـ أي الحاكم ـ يضمن لمثقفيه الشبع تحت قدميه.


ما دعاني إلى كتابة هذا المنشور المطالبة الدائمة من الساذجين أو الباحثين عن حسنات الحاكم، بالتركيز على عظمة شعب فقد بوصلته.


وإن شعباً يفقد بوصلته لا يمكن لمثقف عضوي أن يرى فيه عظمة تستحق التمجيد. 



إن مجتمعاً يخنع للطغيان ليس مجتمعاً ناجزاً، بل هو قبيلة منحطة ليس لها ناظم اجتماعي، ولا تستحق مثقفاً عضوياً واحداً.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-